أخبار عاجلة
وفاة الشاعر العُماني ‎زاهر الغافري -
تباطؤ اقتصادي في إثيوبيا مع انهيار العملة -

بالبلدي: الروائي الكبير محمد جبريل يكتب: واشنطن.. وسيط أم شريك؟

 

أحسب السيد جون كيربي المتحدث الرسمي للبيت الأبيض عضوًا في حزب صهيوني بأكثر مما أتصوره مسئولًا أمريكيًا. إنه يتهم حماس بعرقلة المفاوضات، في حين يدرك جيدّا – وهذا ما أعلنه الرئيس بايدن – أن نتنياهو هو الذي يعرقل كل شيء.
أرجو أن تتأمل كلمات السيد كيربي ولغة جسده وهو يكذب حتى في ما يصعب الكذب فيه، كالقول دفاعًا عن الجرائم الصهيونية: إن إسرائيل دولة ديمقراطية. ملصق جميل على بضاعة رديئة. فإذا حاصرته أسئلة الإعلاميين قال – مثلًا – إن الثور لم يدر اللبن. إنه أسوأ مثل للمسئول الذي تخلى عن مصلحة بلاده، عن صورتها في العالم، وعلاقاتها بالمنظومة الدولية، للدفاع عن بلد آخر.
راعني القول الغاضب لمحلل سياسي أمريكي: الولايات المتحدة، القوة العظمى، تعمل عند إسرائيل. إنها تزودها بأحدث الأسلحة، حتى تلك التي حظر القانون الأمريكي استعمالها لغير القوات الأمريكية، وتشاركها التخطيط للعمليات العسكرية، وتلغي – بالفيتو – قرارات مجلس الأمن المنددة بالجرائم الصهيونية، بل إن المشهد يبلغ ذروة عبثيته عندما يختلف قادة الكيان مع بعضهم البعض، فيطلبون المناصرة من صانع القرار الأمريكي!
المقارنة ظالمة، بل مضحكة، وشر البلية ما يضحك، عندما توصف حماس بأنها منظمة إرهابية، لأنها تقاتل جنود الاحتلال دفاعًا عن حق شعبها في الحرية والاستقلال، بينما تتجه الصواريخ الحديثة والقنابل ذات القدرات التفجيرية العالية إلى المدنيين في الأسواق والخيام وما تبقي من الدور.
في غارة أخيرة، قتل الجيش الإسرائيلي وجرح المئات من الفلسطينيين، بدعوى استهداف ثلاثة من مقاتلي حماس. إن سلاحه هو الصواريخ الارتجاجية الثقيلة التي زوده بها الوسيط الأمريكي ليبيد من أقاموا الخيام بديلًا للبنايات المدمرة. وكما تعلم فقد تعددت تصريحات الرئيس الأمريكي التى تسأل وتعيب وتهدد، لكنه لم يوقف تمويل إسرائيل ماليًا ولا عسكريًا: نحن لا ندعم العمليات العسكرية، لكننا ندعم إسرائيل عند الحاجة!
إن الفعل يجب أن يتناسب مع الفعل المضاد، وهو ما يغيب في الفعل الإسرائيلي. ما حدث – ويحدث – في المذابح الصهيونية أفعال غير مناسبة.
قول واشنطن إنها تعد لمقترح جديد يعني أنها تتراجع عن المقترح الذي قدمه نتنياهو، ووافقت عليه حماس: الانسحاب من قطاع غزة، إيقاف القتال، عودة المهجرين إلى ديارهم، أو ماكانت ديارًا قبل أن يلحقها الدمار الصهيوني، تتراجع واشنطن عن الموقف الذي التزمت به، لمجرد أن نتنياهو أراد أن يلعب على عامل الوقت، يطيل أمد المفاوضات حتى يفوز ترامب – أو هكذا يحلم، وإن كان حلمه بإذن الله على شونة – في الانتخابات الأمريكية في السادس من نوفمبر القادم.
في تصريح انتخابي أخير لترامب أعلن أن مساحة إسرائيل أصغر مما ينبغي، وهو تصريح نستطيع التعرف دلالاته في اعتراف ترامب – أثناء رئاسته السابقة – بالقدس الموحدة عاسمة لدولة إسرائيل، وكان قد منح هضبة الجولان السورية المحتلة للدولة العبرية. أخذ الرجل راحته في أرض أبيه، لا شأن للمجتمع الدولي بحق الشعب العربي في استرداد ما انتزع من أراضيه.
اللافت أنه منذ تحولت إسرائيل إلى دولة عضو فى المنظمات الدولية، فإن الإرهاب ظل بعدًا مهمًا فى سياستها، وهو ما يتضح فى قياسات الرأى العام العالمى، حيث أكدت أن إسرائيل هى الدولة الإرهابية الأولى فى العالم.
إسرائيل كيان غربى، زرع فى المنطقة لا لمجرد أن يبقى، وإنما لكي يتوسع ويفرض السيطرة على المقدرات والمصائر، تسانده دعاوى وحجج ، تبدأ بالأساطير، وتنتهي بالمزاعم الباطلة.
أعرف المجالات التى يتحرك فيها اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة، ودول الغرب بعامة، بداية من سيطرة رأس المال، وانتهاء بسيطرة الإعلام.. لكن ما أعجز عن فهمه ذلك التخاذل الغريب ، سواء فى حكومات الغرب التى لا تمل ترديد الشعارات المؤيدة لحرية الرأى، أو الجماعات التى تتوالى إدانتها بالمعنى نفسه ضد دول العالم الثالث، وإسرائيل – بالطبع – ليست من بينها!
استوقفنتي إجابة مسئول عسكري أمريكي عن السؤال: هل تدافعون عن إسرائيل رغم إدانتها عالميا؟.
قال: قرارنا هو الوقوف إلى جانب إسرائيل.
إن تحجج مؤسسات السيادة الأمريكية بغياب المعلومات، فهي بالتالي تبحث عنها، لا يلغي تيقن العالم من أن واشنطن هي الراعي للكيان الصهيوني، وهي التي توافق على مخططاته، وسبل تنفيذها، ومباركتها، بل إن المتحدث الرسمي الأمريكي قد يؤكد المعني في القول إن القيادة الإسرائيلية أبلغته بالخطوط العريضة لجريمة ما قبل ارتكابها!
أدعوك إلى متابعة المتحدثين الرسميين في واشنطن – وهم كثر، وتفرد لهم القنوات الإعلامية على مستوى العالم – إنهم يمضغون ما يجري في الضفة الغربية وغزة والجنوب اللبناني، دون غرابة من رائحة الدماء البشرية التى تتصاعد من أفواههم. التعامل اللاإنساني والتسفير والقتل واستعمال الأسلحة المحظورة كالبلوتونيوم والفوسفور المشع وتحويل الشهداء والمصابين إلى أرقام متزايدة.. ذلك كله صار من العادي والمألوف، ومن الأوفق أن نتناساه لصالح عملية التفاوض بين فصائل المقاومة والكيان الصهيوني، وهي – كما تعلم – مستمرة باستمرار المجازر التي صارت جرائم متواصلة في المدن والقرى العربية ( هل شاهدت الشهداء الفلسطينيين الثلاثة الذين قتلوا بالقنابل، ثم ألقيت جثثهم من سطح بناية؟!). فإذا أعلن الرأي العام العالمي غضبه، ووجدت محكمة العدل الدولية في جرائم إسرائيل ما يدينها، وما يدعو محكمة الجنايات الدولية إلى اعتبار رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الحرب جالنت شخصيتين مطلوبتين للعدالة.. فإن المقابل الغربي هو الدعوة إلى إيقاف إطلاق النار، واعتبار الدبلوماسية وسيلة حل وحيدة، ومواصلة التفاوض، حتى تهدأ العاصفة، ثم تعود أعنف مما كانت، وهكذا. بل إن وزير الخارجية بلينكن شدد – قبل جرائم البيجر بساعة – على ضرورة المفاوضات، وأنها هي السبيل الوحيد لعودة الاستقرار.
ولعل مجرد تبين أن أرقام الشهداء والجرحى جاوزت المائة ألف وخمسين ألفًا، من أصل حوالي مليوني مواطن فلسطينى هم سكان قطاع غزة، إدانة صارخة لجرائم نتنياهو وجالنت وهاليفي وغيرهم من القيادات الصهيونية.
بتعبير محدد، إن كل جرائم الجيش الذي سماه نتنياهو أكثر الجيوش أخلاقية في العالم، ضد القوانين الحربية والإنسانية والأخلاقية. وهو اتهام من أعلى سلطة قضائية دولية، ومن أساتذة القانون في جامعات العالم، وبعضهم ديانته اليهودية!
لو أن الفاعل في جرائم أجهزة البيجر، وجريمة قتل حوالي عشرين من قادة حزب الله امس، من جهة أخري غير إسرائيل، دولة أو تنظيم مقاوم فإن دنيا الغرب – الولايات المتحدة بخاصة – كانت ستقوم، ولا تقعد، كان الهدف المعلن قتل خمسة آلاف إنسان، لا تفرقة بين عسكري ومدني، في أقل من دقيقتين.
إنه – بالفعل – انتهاك للقانون الإنساني الدولي، لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض، وشركائها في البنتاجون ووزارة الخارجية، وحتى السيد كيربي عزفوا نغمة وحيدة هي أنهم في مرحلة جمع المعلومات. وهو ما لم يحدث حتى كتابة هذه السطور. ربما لأن القيادة الإسرائيلية لم تبلغهم بالمعني الذي ينبغي تصديره. وزاد الرئيس بايدن فأعلن ثقته في وجود حل دبلوماسي، وذكرنا – كنا نسينا! – برغبته الشخصية في عدم التصعيد، وباقتراحه المتجدد، بإيقاف إطلاق النار.
يبقى أنه من حق أي متابع للأحداث أن يصف دور واشنطن في الحرب الدائرة منذ حوالي السنة بين “دولة” إسرائيل، وحركات المقاومة العربية، أنها ليست – كما تدعي – وسيطًا بين الطرفين، بل هي حليف ومؤازر وشريك كامل لإسرائيل في عدوانها على أصحاب الأرض الفلسطينيين.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" almessa "

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق شاهد.. لحظة هجوم الأسد على محمد أنور
التالى استشهاد 4 فلسطينيين في قصف إسرائيلي فجر اليوم وسط غزة