أخبار عاجلة

بالبلدي : اختفاء المسرح المصري في ظروف غامضة

بالبلدي : اختفاء المسرح المصري في ظروف غامضة
بالبلدي : اختفاء المسرح المصري في ظروف غامضة

كنتُ صبيًّا في أوائل التسعينيَّات، عندما كان أبي رحمه الله، يحضر معه -بعد عودته من وظيفته الحكوميَّة- الجرائد القوْميَّة الثَّلاث، وهم الأهرام والأخبار والجمهوريَّة.

ما أتذكَّرهُ جيّدًا هو شغفي بقراءة المقالات والأبوَاب والصَّفحات الثَّابتة الخاصَّة بالفن والرياضة على وجه الخصوص، لم أنس بعد ملحق الجمعة بجريدة الأهرام، وصفحة بريد الجمعة للأستاذ الصحافيُّ الكبير عبد الوهاب مطاوع رحمه الله، حيثُ كان بريده يستقبل مشكلات اجتماعية عدة من السَّادة القراء، يعرضها مطاوع كما وردت له -مع بعض الصياغة الأدبيَّة البليغة- ثُمَّ يُبدي رأيه أو حريًّا بي القول نصيحته في نهاية الأمر.

أين تذهب هذا المسَاء؟

على أن ما كان يجذب أنظاري على الدوام الصَّفحة الثَّانية في جريدة الأهرام، والتي كانت مخصَّصةً لعرض برامج اليوم في كلا من القناة الأولى والثَّانية، أمَّا في الأسفل فكان بصرك يقع على عنوان جميل واسمه «أين تذهب هذا المسَاء» هذا العُنوان كان دليلك الشَّامل والكامل لما تعرضه دور السينما والمسرح بالقاهرة.

صورة 1

حينذاك كان يمكنك أن تلاحظ الصَّفحة الثَّانية وهي متخمة بأسماء المسرحيات المختلفة، الاستعراضية والتراجيدية والكوميدية وغير ذلك، وبأسماء أبطالها الرَّنَّانة، وهو ما يجعلك كمحب للمسرح -أبو الفنون- في حيرة شديدة من أمرك، وأنت تحاول الاختيار من بين هذه المسرحيات الممتعة لقضاء سهرتك اللَّيليَّة سواء مع نفسك أو أصدقائك أو أفراد أسرتك.

هل تعرف أن المسرح المصري كان أحد مصادر الدخل القومي للبلاد في هذا الوقت؟ حريًّا بك أن تعرف هذا الأمر، في التسعينيَّات وفي موسم الصيف تحديدًا كان المئات من الأشقاء العرب يهبطون إلى القاهرة من بلادهم خصيصًا لمشاهدة نجومهم المفضلين على خشبة المسرح، وأهمهم النجم القدير عادل إمام بطبيعة الحال.

وفاة إكلينيكية للمسرح المصري

أمَّا الآن فحال المسرح المصري يدعو للرثاء، ثمَّة وفاة إكلينيكيَّة أصابته في مقتلٍ! صار عثورك على عمل مسرحي في مواسم الصيف لقضاء سهرة ليلية ممتعة نادرة من النوادر، أساسًا صارت المسارح مغلقة بالضبة والمفتاح كما يقال! أتحدَّث هنا عن المسرح الخاص وليس الحكومي أي المسرح القوميُّ والذي لم يعد كما كان سابقًا هو الآخر.

إليك الأسباب

وبما أن القاعدة المنطقية تقول «لكل سبب مسبب» فدعونا الآن نكتشف أغوار هذا المشكلة من وجهة نظري الشخصية، ولا ريب في أن السبب الأوَّل لهذا الأمر المؤسف هو اختفاء جيل الأساتذة، أباطرة الكوميديا المصريَّة، ما بين الاعتزال أو الوفاة، فالنجم الأيقوني عادل إمام اعتزل العمل المسرحي منذ أكثر من عقد تقريبًا، فقد كانت مسرحية «بودي جارد» آخر مسرحياته، والتي انتهى عرضها في عام 2010، ولا يلوح في الأفق -بحكم عامل السن- أي أمل في عودته مرَّة أخرى لخشبة المسرح، أمَّا النجم الرَّاحل سمير غانم فكانت آخر مسرحية قام ببطولتها «الزهر لما يلعب»، وكان يمكنك أن تلاحظ أن غانم في سنواته الأخيرة وبحكم تقدُّمه في العمر قد قلل من ظهوره على خشبه المسرح بشكل تدريجي، ونأتي إلى الضلع الثَّالث؛ الفنان محمَّد صبحي، والذي تضاءل ظهوره المسرحي هو الآخر، وكان آخر ظهور له على خشبة المسرح في مسرحية «عيلة أتعمل لها بلوك»، هنالك أيضًا محمَّد نجم وسيد زيان ومحمود القلعاوي وكانوا قبل وفاتهم في حالة من شبه اعتزال للعمل المسرحي.

صورة 2

صورة 3

صورة 4

اختفاء النصوص الجيّدة والمبدعة يشكل سببًا هامًا في الوفاة الإكلينيكيَّة للمسرح المصري، فما أصاب السينما أصاب المسرح دون مواربة، أزمة ورق مستحكمة أو نصوص مدهشة فارقة، ونظرة واحدة سريعة على ما كان يقدمه ما يسمى «مسرح مصر» كفيلة بأن تجعلك تكره المسرح مدى الحياة! لا يمكن أن تكون هذه «الاسكتشات» البائسة التي تغص بثقل الدم، والحضور والسخافة والتنمر والتَّفاهة في التناول والأداء بمسرح أبدًا، لا أعترف بمسرح مصر كمسرح ما حييت.

الإنتاج .. تأتي أزمة الإنتاج لتشكل هي الأخرى أحد العوامل الرئيسية في أزمة المسرح المصري، فالحقيقة المؤكَّدة هي أن إنتاج مسرحية جيدة يحتاج إلى توفر أموال طائلة لخروجها بالشكل الأمثل أثناء العرض، أموال تذهب إلى استئجار مسرح حديث مجهز بوافر الإمكانات، دفع رواتب لأبطال العمل، ولا يسعنا نسيان أعمال الديكورات التي تخدم العمل الفنيّ، والأهم اختيار النص الجيد، والذي على أساسه يقوم بنيان المسرحية كلها، وفي هذا الصدد يمكننا الاعتماد على عملاق الإنتاج المصري «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» هذا العملاق في العمل الإنتاجي الإعلامي مثلما قام باقتحام الإنتاج التلفزيوني من قبل وثبت أقدامه فيه؛ يمكنه أيضًا اقتحام الإنتاج المسرحي، لبعث الحياة مجددًا في المسرح المصري، هذا المسرح العريق الذي بدأ بزوغ نجمه تاريخيًّا في القرن التاسع عشر على يد يعقوب صنوع «أبو نضارة» ولا يزال حاضرًا وبقُوَّة في وجدان الملايين في عالمنا العربي بأعماله القيمة.

 

 

 

 

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" نجوم مصرية "

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق نقيب المعلمين يفتتح دورة "استراتيجيات الأمن القومي" بالمنصورة
التالى آخر فرصة.. اليوم غلق باب التحويلات بين مدارس القاهرة